من الواجب أن يرفع الغلاء الفاحش الذي تشهده وتيرة الحياة اليومية مستوى النقاش بين النخب حول مفهوم الدولة ووظيفتها : أهي حاجة اجتماعية كما من المفترض أن تكون لخدمة الإنسان ، أم أداة للاستثمار وتضخيم أرباح(السادة)،وتطويع(العبيد)/ الجمهور(كما يرى نيتشه) بالقوانين التي يشرعها (المنتصرون) أصحاب النفوذ ، لمستلزمات حركة رأس المال؟
في العشر السنوات الأخيرة كان من الواضح أنه جيء بإسلاميي العدالة والتنمية لتحقيق أجندة سياسية واسعة، كان من بينها الإجهاز على ما تبقى من الحقوق الجماعية للمواطن المغربي ومنها الحق في التضامن، وتم تصفية صناديق الدعم تحت منطق أن :" الفقير لا يستفيد من الدعم لأنه لا يستعمل هذه المواد المدعمة كالبنزين إلا بالقدر المحدود جدا ..بينما تذهب أموال الدعم إلى جيوب الأغنياء !" نفس المنطق الذي لا زال يلوكه سدنة المترفين للتخلص من دعم البوتان والسكر ..
لا يحتاج الأمر إلى ذكاء استثنائي لكشف غباء من يفكر بهذا العقل .. ذلك لأن أي رفع لهذا الدعم لا تصيب نتائجه جيوب الكبار بل البسطاء الفقراء ... فالمعادلة الاقتصادية الأبسط تقول: حينما تزيد تكلفة الإنتاج يرتفع ثمن البضاعة... فحينما ارتفع ثمن البنزين لم يخسر البرجوازيون ولا مصانعهم شيئا من جيوبهم بل أضافوا الزيادة في المواد الغذائية التي يقتنيها المواطن البسيط ..فارتفعت كلفة الحياة في الخضر والمواصلات والمقتنيات الغذائية اليومية..بينما بقت أرباح الأغنياء قارة إن لم تزد! وهكذا فإن رفع الدعم عن البوتان كما يروج البعض بدعوى ارتفاعه في السوق الدولية .. ستتبعه حتما زيادات في أسعار القوت اليومي البسيط للفقير .. زيادات في أثمنة الدجاج الرومي مثلا والخبز والحمام وفي كل المنتجات التي توظف البوتان!ومن ثم فكل درهم جديد يخسره الفقير نفقة على تكلفة معيشه يذهب إلى جيب الغني مباشرة في حركة تداولية تراكم المال والترف والاستفادة من مبهاج الحياة في جهة ، والفقر المستطر في جهة أخرى على وقع التوزيع غير العادل للثروة حسب آليات النظام الرأسمالي.
إن الحل بسيط :الحفاظ على صناديق الدعم باعتبارها مكاسب اجتماعية ، للإبقاء على رخص المواد الاستهلاكية للفقراء ..وفرض ضرائب مباشرة على ثروة الأغنياء "الذين يستفيدون من الدعم" حسب سلم متحرك من الأعلى إلى الأدنى توضع وارداته في صندوق المقاصة..وأي منطق غير هذا فهو استحمار للسذج فحسب!