الرئيسية » شؤون طنجة


القرآن الكريم وجهازه المناعي

الأربعاء 08-09-2010 02:25 صباحا


نظمت جمعية الجيرة للتفاعل الثقافي بتعاون مع غرفة التجارة والصناعة والخدمات التابعة لولاية طنجة، وموقع شبكة طنجة الإلكتروني، وجمعية الغد للتنمية، وجمعية المنار للتنمية الاجتماعية؛ محاضرتين للأديب: محمد محمد البقاش في قاعة المحاضرات التابعة لغرفة التجارة والصناعة والخدمات وقاعة المحاضرات التابعة لمندوبية وزارة الثقافية بطنجة تحت عنوان: القرآن الكريم وجهازه المناعي يوم 17 رمضان الأبرك لسنة 1431 هـ الموافق لـ 28 غشت 2010، ويوم 24 رمضان لسنة 1431 هـ الموافق لـ 4 شتنبر 2010 محاضرة أخرى بعنوان: الأدب المَمْدَري بين الإبداع والانضباع.
تطرق الأديب في المحاضرة الأولى إلى تعريف القرآن من منظور جعله لفظا ومعنى معا، بحيث إن كتبت معاني القرآن بأي لغة لا تكون قد كتبت قرآنا، بل تكون قد كتبت معانيه لأن القرآن هو اللفظ والمعنى معا.
وقف على حروفه العربية وجاء بأمثلة على فعل تلك الحروف حين تربط بالكلمات لتعطي معاني راقية غير مسبوقة في النظم والتأليف، أشار إلى أنه قرآن عربي وأن عربيته ليست وصفا له، بل هي وصف للفظه لأن معانيه معان إنسانية من حيث معالجاتها لمشاكل الإنسان وقضاياه وليس من حيث صدورها عن الإنسان.
وبين كيفية بنائه لأسلوبه، ثم انتهى إلى أن أسلوب القرآن هو جهازه المناعي، ودلل على ذلك بأمثلة ساقها من معتوهين يتهمون القرآن بالنقص والزيادة فبين فسادها من جهة إبراز أسلوب القرآن في النظم والتأليف والذي لا يمكن أن يسمح بحرف واحد يزاد فيه أو ينقص منه فضلا عن كلمة أو جملة أو فقرة أو نص.
وفي المحاضرة الثانية شرح الأدب المَمْدَري وبين أنه يقوم على مكون التثقيف الفني والرياضة الذهنية، ويستهدف غاية مزدوجة هي المتعة العاطفية ويشترك مع غيره من الآداب الأخرى، والمتعة الذهنية ويتميز بها منفردا ومتفردا.
ساق أمثلة على التثقيف الفني والرياضة الذهنية، ثم تطرف إلى الإبداع وعينه بكونه إتيان بشيء غير مسبوق على نسق متميز لا بد أن تكون له بصمة وراثية تابعة لمبدعها لأن الأسلوب هو الشخص كما يقال وهو قول موفق، إلى أن انتهى بالحدث عن الانطباع وبين كيف أنه هبوط  في التعبير وقردنة يجدر بالمبدعين أن ينكروها.

..............

شبكة طنجة الإخبارية

......................

إليكم الموضوع كاملا، فالمحاضرة مختصرة نظرا لضيق الوقت

=============

القرآن الكريم وجهازه المناعي

=============

الجهاز المناعي نظام مُعَدّ لوظيفة عظيمة، يقوم بحماية جسم الإنسان من الجراثيم والميكروبات والمركبات الكيمائية السامة والأجسام الغريبة...
والأسلوب القرآني نظام تنتظم فيه سوره وآياته لتحقيق البيان والتبليغ والإعجاز، كما أنه شفاء معنوي وجسدي يرقى عن الجهاز المناعي المقتصر فقط على حماية الجسم.
لقد ثبت علميا أن القرآن الكريم ينشِّط الجهاز المناعي من خلال تخفيف التوتّر العصبي أو إزالته، وقد أجريت تجارب على عيّنات بشرية من مسلمين وغير مسلمين قُصد حملهم على سماع القرآن يتلى فتبين أن 79% منهم قد ظهرت عليهم آثار إيجابية بحيث انخفضت درجات التوتر العصبي عندهم لينشط جهازهم المناعي، هذا ما يفعله القرآن، فهو مقوٍّ لجهاز المناعة سواء للمؤمنين به أم لغير المؤمنين، وقد ثبت أيضا في بحوث أجريت على الماء بحيث تمت قراءة القرآن عليه وفيه فتبين أن تغييرات تحصل في بلورياته تؤثر على الذي يتجرعه مقروءا عليه أو الذي يغوص فيه..
يقوم جهاز المناعة في جسم الإنسان بحمايته من أي شيء غريب يدخله، فإذا دخله مكروب أو شرع يخترقه فيروس أو ظهرت فيه مركبات كيماوية سامة تحرك الجهاز المناعي بكل ما أوتي من قوة ليحول بين جسم صاحبه وبين الدخيل، ليمنع عنه العدوى والأمراض والأسقام، يظل في حرب لا هوادة فيها حتى يطرد الدخيل أو يموِّته لأنه لا يقبل بوجود جسم غريب في جسم صاحبه الذي وُكل به ووُجد ليحميه ولتكون تلك وظيفته.
ولكن الإنسان اليوم استطاع أن يحتال على الجهاز المناعي فقام بما يشبه التخدير للإخلال بوظيفته إذا افترضنا أداءه لوظيفته فيه وعي، ولم لا فسلوكه دال على من خلقه، ومن خلقه؟ خلقه رب مبدع، وصانع متقن لصنعته تتجلى في حركة مخلوقاته ومنها الجهاز المناعي.
((ويتم "تثقيف" الخلايا اللمفاوية" T "  كي تصبح قادرة على التعرف على البروتينات الغريبة المتواجدة على سطح المواد الغريبة (من ميكروبات وفيروسات..الخ ) عندما يكون الإنسان في فترة الطفولة المبكرة، أي عندما "تهاجر" هذه الخلايا من المخ القضمي Bon Marrow  إلى غدة "التوتة" (أو التيموسThymus )، لكن التثقيف يتواصل لاحقاً في الأوعية الدموية حيث تنتقل هذه الخلايا يعدما تنضج في غدة التيموس. ويتم التثقيف عن طريق أنواع من خلايا جهاز المناعة تسمى الخلايا المقدمة للأنتيجين (أو للمستضد APC  أو Antigen Presnting Cells .
والأنتيجين، أو المستضد، هو قطعة من البروتين تتواجد على سطح خلية غريبة بإمكانها إثارة ردة فعل مناعية. لكن كي تتمكن الخلايا "T" من المساهمة في ردة الفعل هذه يجب على الخلايا المقدمة للأنتيجين أن تبتلع الخلية الغريبة "وتهضمها" وتقسمها إرباً إرباً، بما في ذلك تقسيم بعض أجزاء الخلية الغريبة إلى بيبتيد. ثم تنتقل بعض أجزاء الخلية الغريبة إلى سطح الخلية المقدّمة للأنتيجين، وعندما "تقدم" هذه الأخيرة الأنتيجين إلى الخلايا "T" فإنها ستتعرف إلى البروتين الغريب وتعطي الإشارة إلى جهاز المناعة بتدمير الخلايا الغريبة التي تواجد هذا البروتين على سطحها.
والإشارة أو "الآمر بالتعبئة" تشمل أيضاً فئة خاصة من الخلايا T"T" اسمها الخلايا القاتلة (أوTK  أو Killer Cells ) تدمر الخلايا الغريبة بصورة مباشرة. لكنه يوجد على الخلايا المقدمة للأنتيجين بعض الجزئيات molécules "بطاقة تعريف" لجميع خلايا الجسد وعلى الخلايا المقدمة للأنتيجين أن تفهم الخلايا "T " في آن أنه لا يجب تدمير الخلايا التي يوجد على سطحها "بطاقة التعريف" وأنه يجب تدمير الخلايا الغريبة الموجودة على سطحها الأنتجين. وعندما يوجد خلل في عمل الخلايا المقدمة للأنتيجين فإن "رسالتها" إلى الخلايا "T" تكون أحياناً تدمير خلايا الذات (الموجودة على سطحها بطاقة التعريف) والخلايا الغريبة في آن واحد، ويحصل هذا الخلل عندما لا تنضج الخلايا المقدمة للأنتيجين بصورة كاملة. وقد جرت مؤخراً أبحاث تدل على أن المصابين بأمراض المناعة ضد الذات لديهم خلايا مقدمة للأنتيجين تشكو من هذا الخلل)).
موقع طرطوس كوم. المجلة الطبية ww.tartos.com
فالعقاقير الطبية المخصصة لحرف الجهاز المناعي عن وظيفته تغيِّب له "إدراكه"، ولم لا ونحن نرى كيف يعمل حينما يكون سليما، وكيف يعمل حين يمنع عنه الإنسان وظيفته، يشرع جهاز المناعة في تقبل الجسم الغريب ولا يعمل على محاربته لاشتباهه فيه بسبب العقاقير الطبية التي تجعل منه جزءا من جسم صاحبه، كما أنه قد أصيب بالجنون بسبب ما نأكل ونطعم من أطعمة مشبعة بالمواد الكيماوية السامة ومعدلة جينيا، إذ بدأ عند الكثيرين في تدمير ما هو من جسم صاحبه، فقد شرع عند كثير من الناس في إنتاج بروتينات تدمر أنسجة الجسم الذاتية بدل حمايتها، ينتج أجساما مضادة ضد الذات عن طريق الخطأ، والخطأ ليس خطأه هو، بل هو خطؤنا نحن، إذ نساهم في إتلاف خلايا ما كان ينبغي أن يتلفها الجهاز المناعي لولا جنونه أو عدم إدراكه والقيام بوظيفته، يهاجم خلايا يظنها دخيلة وهي ليست دخيلة، هو الوكيل لحمايتها، وكل ذلك مسؤول عنه فعل الإنسان الإجرامي، وذلك في طريقة إنتاجه لأطعمته وأشربته خصوصا اللحوم والألبان..
وأسلوب القرآن الكريم ليس جهازا مناعيا فحسب، بل هو أكثر من ذلك لأن الجهاز المناعي بقابلية الانخداع، أما أسلوب القرآن الكريم فلا يمكن أن ينخدع بإدخال ما ليس فيه، لنرى.
إذا ما التمسنا الوضوح في أسلوب ما حتى نخرج بصور لمعانيه ودلالاته دون تشويش، ودون غموض نجد أن الذي يؤدي ذلك هو اللفظ والتركيب، انظر إلى أسلوب القرآن في قوله تعال: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والْغَوْ فيه لعلكم تَغْلِبون" سورة فصلت، الآية: 26.
إذا تناولنا الأسلوب القرآني نجده متميزا تمييزا لا قِبَلَ لأحد من الإنس والجن أن يقلده، أو أن يأتي بشيء مثله، فضلا عن الإتيان بخير منه، فإذا اتُّخِذ أسلوبه مقياسا لمعرفة ما هو منه وقد تُنُكِّر له، تيسرت معرفته وسهلت، مثال ذلك قولهم بأنه قد محيت آيات من القرآن الكريم عن قصد وقد كانت مقروءة قبل عز الإسلام وحزب الإسلام.
فقد ورد في تفسير ابن كثير: ((وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا عُبَيْد الله بن عمر القواريري، حدثنا يزيد بن زُرَيْع، حدثنا ابن عَوْن، عن محمد - هو ابن سِيرِين - قال: نُبِّئتُ عن كَثِير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد، فقال زيد: كنا نقرأ: "والشيخ والشيخة فارجموهما البتة". قال مروان: ألا كتبتَها في المصحف؟ قال: ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب، فقال: أنا أشفيكم من ذلك. قال: قلنا: فكيف؟ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكر كذا وكذا، وذكر الرجم، فقال: يا رسول الله، أكْتِبْني آية الرجم: قال: "لا أستطيع الآن". هذا أو نحو ذلك)) صفحة: 6 ـ 7.
ويذهب أيضا (أي ابن كثير) بعد سرد روايات أخرى للنسائي قائلا: ((وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها، وبقي حكمها معمولا به، ولله الحمد)) المصدر السابق. ولكنه لم يتنبه إلى رواية علي ابن أبي طالب وقد ساقها في حديثه عن آية الجلد وحديثه عن الرجم: ((كما روي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه لما أتي بشُرَاحة وكانت قد زنت وهي مُحْصَنَة، فجلدها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، ثم قال: جلدتهُا بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) تفسير ابن كثير صفحة: 8، وهو واضح في نفي الرجم في القرآن وإثباته في السنة وهو الصواب، والدليل عليه ما دامت الجملة غير موجودة في كتاب الله تعالى بعد عرض قول الشوكاني والشنقيطي؛ في باب الناسخ والمنسوخ.
ورد في فتح القدير للشوكاني في تفسير سورة النور قوله: ((وأما من كان محصناً من الأحرار، فعليه الرجم بالسنة الصحيحة المتواترة، وبإجماع أهل العلم، بل وبالقرآن المنسوخ لفظه الباقي حكمه وهو «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة»)).
وورد في تفسير أضواء البيان للشنقيطي حديثه عن نسخ (آية) الشيخ والشيخة تلاوة وبقاء الحكم صفحة: 367 ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم)).
النسخ هو إبطال حكم مستفاد من نص سابق بنص لاحق، أو هو خطاب من الشرع يمنع استمرار ما ثبت من حكم خطاب شرعي سابق، وهو بمعنى آخر تبديل حكم سابق بحكم لاحق، والظاهر أن النسخ غير وارد بهذا المعنى في كلام ابن كثير والشوكاني والشنقيطي رحمهم الله، فالنسخ عندهم نسخ تلاوة وإبقاء حكم الآية.
كيف يمكن تصور نسخ تلاوة الآية وإبقاء حكمها؟
إن نسخ تلاوة آية واحدة من آيات القرآن الكريم وإبقاء حكمها يقضي بأن يكون ذلك قاعدة في القرآن الكريم متعلقة بالناسخ والمنسوخ بحيث تخرج من القرآن كل المنسوخات ولا تسمح لها باقتعاد مقعد لها بين دفتي الكتاب الحكيم حتى لا نتلوا آية منسوخة، أي حتى لا نتلوا آية قد بطل حكمها، ولكن إذا اتخذت هذه قاعدة وهي من خلال ذلك الافتراض لا بد أن تكون قاعدة؛ يدخل على الخط العقل البشري ليؤرخ للمنسوخ ويهيئ له سجلا يضعه فيه وقد فعل بصرف النظر عن الدقة والصواب في تواريخه حتى يمكن وضعه في ذلك السجل الذي يكون أرشيفا له؛ إذ فيه يوضع المنسوخ تلاوة وليس حكما، الشيء الذي يجعلنا نناقض أنفسنا في اعتبار ما بطل حكمه بالقرآن ذاته يحاججنا بإبطال الحكم والدعوى القائمة بقاءه وليس إبطاله.
إن أرشيف القرآن ذاته هو القرآن عينه، وهو في تلاوته قد أبقى على التلاوة، وفي الأحكام قد ألغى الأحكام، وهنا نقف أما إشكال كبير وهو:
وجوب إخراج جميع الآيات المنسوخة تلاوة وإبقاء أحكامها متعارضة يقينا مع ما جاء من آيات متعلقة بها من أجل إبطالها.
وجود أحكام قد بطلت عمليا لم تزل من القرآن وهي فيه مع ما يتعارض معها حكما قصد به أن يبطلها ولم يقل أحد بنسخ تلاوتها.
إدخال الشيخ والشيخة في القرآن ليأخذ حكم الآيات الناسخة والمنسوخة.
والنتيجة أن هذا ليس من القرآن ولا يمكن أن يكون منه، فلا داعي إذن للاشتغال عليه إلا من أجل مزيد من التوضيح فأقول: 
بالنظر إلى واقع النسخ للتلاوة؛ نجد أن القرآن الكريم لم يرد فيه شيء من ذلك، فقد ورد فيه نسخ حكم ووضع حكم آخر بدلا عنه، ولكن التلاوة لم تزل، والآيات لا نزال نقرأها ونتعبّد بها، فيكون النسخ المُعْتَبَر والذي يقوم عليه الدليل القطعي؛ هو نسخ الحكم، وليس نسخ التلاوة، انظر إلى نسخ القِبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام، فقد قرأها الذين نقلوا إلينا ديننا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أمناء عدول وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ووصلتنا متواترة؛ فهي قطعية الثبوت وعقيدة، ولا زلنا نقرأها نحن أيضا، نقرأ في القرآن الناسخ والمنسوخ.
ونسخ الوصية للوالدين والأقربين عند حضور الموت بآية المواريث لا زلنا نقرأها كما قرأها كل المسلمين عبر العصور ووصلتنا كالأولى.
ونسخ حكم حبس النساء اللائي يأتين بالفاحشة في البيوت بالجلد مائة جلدة لا زلنا نقرأها كذلك ووصلتنا كالسابقتين وقد قرأها غيرنا ممن سبقونا وهكذا.
وافرض أننا نسخنا تلاوة آية ما، فما موقفنا من خَيْريَّة القرآن كله، وفيه في آية: ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)) والمِثْل لا يكون إلا في الآيات ولا يجوز أن يكون في السنة لأنه يسوّي بينها وبين القرآن، وهو محال؟.
صحيح أن السنة وحي، ولكن وحيها بالمعنى، واللفظ من عند رسول الله، بينما القرآن وحي بالاثنين معا، فلا تساويَ إذن، ولا مقارنة، ثم هل تتحقق الخيرية بإزالة آية واحدة منه وهو كله خير؟ كلا، فالخيرية غير مُسلَّطة على الآيات لأنه إن سُلِّطت عليها؛ جعلت بعضها خيرا من البعض، وهذا محال لأن القرآن خير كله، فتكون الخيْرية مسلطة على الأحكام المرفوعة والموضوعة عنا، فنحن الذين نحس بالمشقة، ونحن الذين نثاب على حكم أكثر من الثواب على الآخر، وهذا يذهب بنا إلى ترتيب الـمُثُل في سلّم للقيم يعود إلينا وهو من تحديد ربنا، انظر إلى قوله تعالى: "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظلمين" سورة التوبة، الآية: 19. وانظر إلى تفضيل المجاهد على القاعد، "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" سورة: النساء، الآية: 95. وانظر إلى المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم وأفضليته على الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم في الحديث الشريف...
لا يكون الخير إذن في آية دون أخرى؛ لأنه يبطل الخيرية في القرآن كله، وهو محال، هذا من جهة.
وأما من جهة أخرى فإن النسخ للقرآن الكريم لكي يكون نسخا؛ يجب أن يكون قطعيا، مع استبعاد إمكانية نسخ الآيات بمعنى محوها من القرآن، لأن نسخ بعضها بالمعنى المذكور يفتح بابا للبطلان وهو مغلق مستحيل الفتح، انظر قوله تعالى: "لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه" سورة فصلت"، الآية: 42. وقوله: "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر" سورة: النحل، الآية: 101. ولم يقل آية مكان حديث أو قول للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: "وإذا تتلى عليهمُ آياتنا بيِّنتٍ قال الذين لا يرجون لقاءنا اَيت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقآء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" سورة: يونس، الآية: 15.
النسخ للقرآن يجب أن يكون بالقرآن، لأن الناسخ رافع للحكم مُبْقٍ على التلاوة، والنبي صلى الله عليه وسلم مبيِّن، وحديث الشيخين لكي يكون قرآنا يجب أن يحشر في باب التواتر اللفظي وهو غير وارد، ولارتفاع مرتبته يجب على الأقل أن يكون من المتواتر المعنوي، وهو غير وارد أيضا، وعليه يكون من الآحاد، وخبر الآحاد ظني لا يفيد العلم، والقرآن قطعي يفيد العلم، فكيف ينسخ ظني قطعيا؟ هذا لا يعقل، ولا يفهم من هذا إمكانية نسخ السنة المتواترة للقرآن، لا يفهم ذلك لأن القرآن لا تنسخه السنة سواء كانت آحادا أم متواترة لورود آيات بشأن ذلك قطعية الدلالة. وانظر إلى حديث عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات في حديث السيدة الطاهرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وانظر إلى صيام ثلاثة أيام متتابعات عن أبي ابن كعب وابن مسعود رضي الله عنهما عند الإمام مسلم، أضف إلى ذلك أن السنة ولو أنها وحي من الله تعالى بالمعنى، واللفظ من عند رسول الله؛ إلا أنه لم يثبت لها ولو في حالة واحدة إمكانية وصلاحية نسخها للقرآن، فبالرجوع إلى الآيات القرآنية يتضح أن فعل النسخ ليس فعلا للنبي ، وما ينبغي أن يكون له، بل هو فعل الله تعالى، والله سبحانه وتعالى نسب النسخ إليه في جميع الآيات، ولم يرد ولو بإشارة أو تضمين في القرآن أن النسخ ممكن في حق النبي محمد ، فثبت قطعا ويقينا أن نسخ القرآن لا يكون إلا بالقرآن، أي أن نسخ الآيات لا يكون إلا من مُنَزِّلها، وهو غير وارد في حق النبي عليه الصلاة والسلام، فتكون النتيجة أن ما يرد من قول عن الشيخ والشيخة من الظني لا يصلح للإسقاط على القطعي، زد على ذلك أن الحديث متعدد الروايات، أي متعدد الألفاظ؛ الشيء الذي يقطع بأن اللفظ لا يكون دائما من رسول الله، ولعلماء الحديث كلام مضبوط في هذا إذ يُجوِّزون رواية الحديث بالمعنى، ويكفي هذا دليلا على أنه يستحيل أن يثبت القطع واليقين في حديث الآحاد إلا من جهة المعنى؛ إذ قد يتواتر المعنى في حديث ما، ومع ذلك يظل ظنيا، لأن المتواتر هو ما تواتر لفظه مع معناه مثل القرآن والحديث المتواتر اللفظي، وحديث الشيخين ليس قرآنا ويستحيل أن يكون قرآنا.
وأما قولهم في حق النبي عند ذكر الرجم ((... فقال: يا رسول الله، أكْتِبْني آية الرجم: قال: "لا أستطيع الآن". هذا أو نحو ذلك)) المصدر السابق.
هذا القول يجعل من نبي الهدى مترددا بين اعتبار رجم الشيخ والشيخة من القرآن؛ أمر مشين، فيه تهمة كبيرة لرسول الله في موضوع التبليغ، وهو محال، ولا مجال لمناقشته لأنه مضيعة للوقت. 
لقد زعموا أن: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)) من القرآن، وزعموا أن: ((تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى)) من القرآن أيضا، وزعموا غير ذلك وهو كثير عند الشيعة الإمامية في كتبهم المعتمدة ككتاب: الكافي للكُلَيْني.. أقول: يسهل معرفة ما هو من القرآن مما ليس منه باعتماد أسلوب القرآن بعد فقهه وإدراك منظومته.
هذا الزعم سهل معرفة صحته من عدمها، سهل معرفة الحق فيه من الباطل، نسوق هذا حتى لا يقفز فصيح فيقول أن محاكاة القرآن غير واردة لإدخال ما ليس منه، لأن القرآن محدود بين دفتي كتاب صغير قد تواتر منذ قرون ووصلنا كما هو، فلا داعي لمحاولة أيٍّ كان لإدخال ما ليس منه، ولكن ما سقته ليس وليد اليوم، فقد ورد في التاريخ الإسلامي وتنوقل عبر قرون، ولا يزال يسوقه بعض غير المؤمنين بالقرآن الذي بين أيدينا والذي هو هو المقروء والمرتل من النبي محمد وصحابته والمسلمين عبر التاريخ المتواتر له إلى يومنا هذا، وعليه فمثالنا يصلح للتدليل على كون ما ذكر قرآنا يجب أن يعود إلى موقعه بين دفتي القرآن، أو يحسم أمره في كونه وهْما توهّمه من رواه..
أولا يجب أن يُعرف أن القرآن الكريم قرآن عربي، وعربيته ليست وصفا لمعانيه، بل هي وصف لألفاظه، هذا حتى لا نعتبر حكمته حكمة عربية، بل حكمته حكمة إنسانية من حيث كونها موجهة للإنسان، وبذكرنا للفظه العربي نستطيع الخوض في بنائه هذا لغويا لنقارن بينه وبين غيره من الأساليب العربية، سواء كانت شعرا أو نثرا، والنتيجة حتى لا نضيّع جهد القارئ المحترم؛ أنه معجز قد بزّ العرب جميعا ولم يزل، وتحدى الناس جميعا ولم يزل، تحداهم في أن يأتوا بسورة مثله، ولو تعاونوا على ذلك ما استطاعوا، والتحدي ما يزال قائما وسيظل ما دام يتلى في هذه الدنيا قرآن، قال تعالى: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)) سورة: الإسراء، الآية: 88، ونحن بالنظر إلى اللغة التي تؤدّى بها معاني القرآن؛ يتبين أن معانيه مع ألفاظه هي ما يطلق عليها أنها قرآن، فاللفظ دون المعنى كالترجمات ليس قرآنا، مثال ذلك سورة الإخلاص باللغة الإسبانية ففيها في أربع آيات قوله تعالى: ((قل هو الله أحد)) Di El Es Allah, Unico ((الله الصمد)) Allah, Es El Senor Absoluto ((لم يلد ولم يولد)) No Ha engendrado ni ha sido ((ولم يكن له كفؤا أحد)) Y no hay nadie que se le parezca. إذن المعنى القرآني دون اللفظ العربي ليس قرآنا، وعليه فالقرآن هو اللفظ والمعنى، وعليه لا يمكن بناء كلمة فيه، أو جملة فيه، أو فقرة فيه، أو نص فيه إلا بأسلوب معجز مع معاني إنسانية من حيث هي للإنسان، ولكنها ليست من تأليف الإنسان، وهذا هو الذي يرشدنا بكل سهولة لكل كلمة وكل جملة أو فقرة أو نص يراد له أن يخالطه، إذ من السهولة بمكان معرفته وإخراجه منه، وعليه فقولهم: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البَتَّة)) يدل أولا على نظم مختلف عن نظم القرآن، وثانيا على أداء ليس من جنسه، وتأليف ليس من صنعته، هذا من حيث النظم والأداء والتأليف الذي لا يستقل ركابا يناسب بين الآيات والسور، وعند السيوطي أن الإتقان في المناسبة  بين الآيات والسور؛ الوجه الرابع من وجوه "إعجاز القرآن" حيث يقول: "الوجه الرابع من وجوه إعجازه: مناسبة آياته وسوره وارتباط بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة: متسقة المعاني، منتظمة المباني"؛ "معترك الأقران" 1/43 وما بعدها، ط دار الكتب العلمية - ط أولى (1408) هـ (1988)م.
  "الإتقان" 1/268.
أما من حيث المعنى، فالمعنى في الجملة ليس أولا معنى إنسانيا، وثانيا ليس معنى يعبر عنه بتلك الكلمات، بالإضافة إلى التقديم والتأخير في الكلمات، وحسن اختيارها في الجملة، وهذا كاف لإدراك هبوط الأسلوب عن غيره في جمل أخرى وفقرات ونصوص، ولا يمكن لأسلوب القرآن أن يهبط عن مستواه في الرقي والإعجاز البلاغي والبياني، لا يكون هذا في القرآن، بل يكون في تعابير الناس فتجد أسلوب الكاتب والمفكر والخطيب والشاعر يتراوح بين انحدار وارتفاع، تارة يسمو، ويُدرَك ذلك، وتارة يهبط عن مستواه ويدرك ذلك أيضا، هذا في التعبير باللغة، أما من حيث المعاني، فإن النقص فيها والعجز والضعف والجهل يصطحبها لكون مبدعها لا يحيط بكل شيء علما، وهذا لوحده كاف لإدراك الفرق، ومعرفة الحق ودرء الادعاء، والزعم.
لماذا قدم الشيخ مثلا على الشيخة؟ بل حتى لو لم يقدم وتمت محاكاة القرآن على غرار قوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) سورة النور، آية رقم: 2، فإن التقليد يكشف عن خلل وشذوذ في بناء الأسلوب القرآني بهذه الجملة، إذ لو أرادها القرآن لما ساقها بما ذكر، لأن الكلمات التي بنيت بها الجملة لا تستقيم في ركابها بيانيا وبلاغيا ومعنويا في أسلوب القرآن، بل انظر إلى تقديم الشيخ في (الآية) هذا التقديم يخل بالجملة لفظا وإيقاعا، يخل بالجملة نظما وحبكا، يخل بها مناسبة ووضعا، فالشيخة لفظ ثقيل لا يناسب أي ركاب في أي آية من القرآن الكريم لأنه لفظ وإن كان عربيا إلا أنه لا يمكن أن يكون لفظا قرآنيا بسبب دقة الاختيار فيه لأجود الألفاظ التي تناسب معانيها، وحتى الشيخ وإن وردت في سورة يوسف فقد وردت نكرة، وكم كانت جميلة في بنائها لمعاني القرآن في تلك القصة الرائعة المعجزة، والمعاني الواردة في قولهم: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة" معاني يظهر عليها النفور من سياقها الذي وضعت فيه، ويظهر عليها التقصير الشديد في ربط الألفاظ بعضها البعض على إيقاع أجراس لا تتأذى الأذن عند سماعها، أما المعاني فمضطربة قد نفرت من قوالبها اللفظية لتؤكد خللا في بنيتها، ثم إن الاسم لغة غير الصفة، صحيح قد يحمل الاسم صفة، ولكن صفته ليست دائما ملائمة له ومناسبة له، انظر إلى اسم أسد، وفهد، فقد يلصقان بجبان لا ينفع معه حمله على صفة الشجاعة التي هي المقصودة، وإضافة الشرط في قوله: ((إذا زنيا...)) يدل على قصور في الذاكرة التي تحفظ الكلمات والألفاظ، وتدل أيضا على ضعف في العقل الذي يبني صورا ذهنية بهذا الشكل، هذا دون النظر إلى المعاني الهابطة فيه، ودون النظر إلى حكمه فيه، فلو نحن أخذنا بالحكم الوارد في الجملة، فإننا نترفع عن رجم الشاب والفتاة إذا أقيمت عليهما الحجة بشروطها المعروفة وهي الشهود الأربعة بشهادة واحدة خالية مما يخل بها، أو يعترفا، وإذا قلنا بأن ورود: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) تكفينا إسقاط الشاب من حكم الشيخ، وإسقاط الفتاة من حكم الشيخة؛ نقول: فلماذا إذن هذا الإقحام الفاسد لبناء الكلام؟ فإما أن يأتي كلام يعضد بعضه بعضا ويعزز ما هو في القرآن، أو لا يأتي، وهل يمكن تصور وجود كلام في القرآن يضرب بعضه بعضا؟ كلا، ليس هذا في هذا الكتاب المعجز، ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)) سورة: النساء، الآية: 82، بل هو في غيره من الكتب التي ألفها البشر، ومنها ما يزعم أنها كتب سماوية؛ كذبا كالأناجيل التي تجاوزت 73 إنجيلا من تأليف الناس، انظر إن شئت إلى بنائها وسوء نظمها وفساد معانيها، فهل يمكن أن تكون كلام الله، أو وحيه قبل القرآن؟ كلا، ما كان وحيا لم يعد موجودا، وإذا قيل أنه موجود فالدليل عليه يجب أن يكون القرآن ذاته إلا من إشارات غفلوا عنها فلم يمحوها مثل ما ورد في سفر التثنية من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيظهر في فاران وهي منطقة المدينة المنورة وسيدخل مكة بعشرة آلاف قديس وقد دخلها بعشرة آلاف من صحابته وكانوا أكثر من قديسين يكادون يكونون أنبياء رضوان الله عليهم.
عندي أن هناك تعبير أرقى من الذي جاءوا به في موضوع الشيخ والشيخة، انظر إلى هذه الجملة وربطها بالآية الكريمة عطفا عليها وهي: "والشِِّيْخانُ يرجمون" فإنها أفضل من سابقتها، ولكنها بعيدة كل البعد عن أسلوب القرآن، ثم انظر إلى الشيخ وهو من استبانت فيه السن، وظهر عليه الشيب، واجلده البَتَّة فماذا تعطي العبارة من صور؟ انظر إلى فعل الجلد وهو في الإسلام فعل رحيم لا يسمح بضرب الوجه والرأس والبطن وموطن الجهاز التناسلي، لا يسمح للضارب برفع يده عاليا حتى يظهر إبطه، وتصور ذلك الضرب بتلك الصورة فلا يؤدي إلى الموت أبدا، وإن أدى كان ذلك من غير فعل الجلد، لأنه لو كان كذلك؛ لكان الضرب للتربية، والضرب للتعزير، والضرب على الصلاة بالنسبة للأطفال الذين بلغوا سن العاشرة يؤدي إلى الموت، انظر إلى فعل الجلد البتّة، فهل نشرع في جلد الشيخ والشيخة بدون انقطاع؟ وإذا كان حكم الجلد في حقهما حكم بالقتل فإننا ندرك أن الجلد لا يكون في المقتل؛ لأنه غير مشروع، وجاء في السنة ما يوضح ذلك ويفصله، وإذا انقطعنا إلى الجلد استنادا إلى كلمة "البتة" فهل نظل نجلدهما دون توقف؟ هل نبدأ الجلد مساء ونستمر فيه ليلا، ثم نهارا، ثم ليلا، ثم نهارا...؟ ثم إن فعلنا، فهلا نتوقف عند ساعة تكون هي التي فقدا فيها حياتيهما، أم نستمر ما دمنا مقيدين بالجلد البتة؟ وإذا كان هذا هو المشروع، فهل نحن مع مشرِّع ينزِّل حكمه على الحادثة بشكل مطابق للواقع تماما بحث إن عدلت عنه إلى غيره طلبا لحكم غيره فلن تجد خيرا منه؟ هل نحن مع من لا يحسن وضع الشيء في مناطه؟ هذا لا يعقل أبدا.
صحيح أن شرط جلد الشيخ والشيخة إذا كان مقررا ليلغي الرجم موجود في معنى "إذا" و"إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط، وأن شرط جلد الزانية والزاني موجود في فاء الأمر ـ فَـ  اجلدوا ـ والأمر مضارع للشرط، ولكن بالنسبة إلى الآية التي هي قرآن نجد بها عدد الجلدات فهي إذن من مفهوم العدد، غير أن الشيخ والشيخة التي ليست قرآنا قطعا، ولن تكون أبدا ليس بها عدد، فعلام نعلق الحكم في مسألتهما؟
إن آية: ((الزانية والزاني...)) قد جاءت بحكم الجلد وحددته عدديا في مائة جلدة ((...فاجلدوهما مائة جلدة))، وهو من مفهوم العدد، وتعليق الحكم بعدد معين يجعله مقيدا بعدد مخصوص، وهو من مفهوم المخالفة، واعتبرت ألفاظ الآية من العموم الثابت عن طريق الاستنباط لأن ضابطه ترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب والتسبيب، ودلالته من دلالة الالتزام تحرم تجاوز مائة جلدة، وتحرم النزول عنها، بينما زعمهم: الشيخ والشيخة... إلى أن يقولوا: (فارجموهما البتة) يخل بالآية القرآنية عن الزانية والزاني، ويخالف مفهوم العدد فوجب إزالتها، لم يقولوا أن آية الزنا المذكورة ليست من القرآن، فهل كانوا قصيري النظر في إدراك هذا الخلل حتى أوجدوا تناقضات في القرآن، أم كان نسخا لآية تلاوةً، أم كان إبطالا لحكم مستفاد من نص سابق بنص لاحق وهو ما يسمى بالنسخ الذي يمنع استمرار ما ثبت من حكم خطاب شرعي سابق؟ لنرى.
يبدو أولا أن النسخ الحقيقي ليس لجملة الشيخ والشيخة في التلاوة، فلا يقرأها المسلمون، وليست هي من القرآن، بل النسخ الحقيقي يعين المنسوخ من القرآن بإبطال حكمه، وليس إبطال تلاوته.
معلوم بداهة أن القرآن لا ينسخه إلا القرآن، وقد وردت فيه آيات نسخت بآيات، أي نسخ حكمها ولم تنسخ تلاوتها إذ لا زلنا نتلوها ونتعبد بها لأنها قرآن، فلا يجوز مطلقا أن يُنْسَخَ القرآن بالسنة لأن السنة خبر آحاد، ولا يجوز أن ينسخ حتى بالخبر المتواتر لأنه وإن كان وحيا من الله تعالى بالمعنى، واللفظ من عند رسوله صلى الله عليه وسيسلم بخلاف القرآن الذي هو وحي باللفظ والمعنى، فإن منزلة السنة المتواترة لفظا وإن كانت قطعية الثبوت لا تجعل منها فاعلا للنسخ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس ناسخا، أي أن السنة ليست ناسخة سواء كانت متواترة أم آحادا، لأن فعل النسخ قد خص الله به نفسه، ولأن النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه مبين عن الله تعالى ولا يجوز في حقه أن يخرج عن البيان وهو الأمين المؤتمن على وحي الله ، وآية النسخ تتحدث عن آية، وآية التبديل (أي النسخ) تتحدث عن آية، والنبي لا يقول الآية، بل يقول الحديث، فكيف نتلوا ما نسخ بالسنة في كتاب الله تعالى ونخلطه بالقرآن؟ هذا ما كان ولم يكن، ولا ينبغي أن يكون.
هذا الأسلوب القرآني في أداء المعنى المراد واضح كل الوضوح لا يحتاج إلى عناء من أجل فهمه، والسبب في ذلك حسن اختيار الألفاظ لأداء المعاني، وقد برزت في الآية صافية نقية مبلورة... فإذا استبدلنا الألفاظ لنفس المعاني نستطيع الحفاظ على المعاني، فقوله تعالى عن الزانية والزاني والتعبير عنه بقولي: "المزني بها والمزنا به فالجلد لكليهما مائة جلدة"، ولكننا بالتأكيد سوف نقدمها فقرة للقارئ والمتلقي دون مستوى جمالية فقرات الآيات القرآنية، وإذا أحسنا التعبير لغة ولم يلحظ علينا نقص أو عيب فإننا بالتأكيد سوف نخل بالمنظومة القرآنية، ونأتي بما ليس من القرآن، فهو في نظمه وحبكه وسبكه للألفاظ، وترتيبه للمعاني فيها قد خرج بأسلوب معجز فيه من الإبهار ما ليس له حد، وهو في الترتيب العددي للآيات، للكلمات، للحروف وكتابتها مختلفة تارة بالألف ككلمة: بنيناها في قوله تعالى: ((أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج)) سورة: ق، الآية: 6، وكذلك كلمة وبنينها دون ألف في قوله تعالى: ((والسماء بنينها بأييد وإنا لموسعون)) سورة: الذاريات، الآية: 47، وكلمة: الأيد بياء واحدة في قوله تعالى: ((اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب)) سورة: ص، الآية: 17، وبأييد بحرفي ياء في قوله تعالى: ((والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون)) سورة: الذاريات، الآية: 47، وكلمة: تبارك بالألف في قوله تعالى: ((ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)) سورة: الأعراف، الآية: 54، وتبرك دون ألف في قوله تعالى: ((تبرك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)) سورة: الملك، الآية:1، وكلمة: حفظون دون ألف في قوله تعالى: ((والذين هم لفروجهم حفظون)) سورة المؤمنون، الآية: 5، وكلمة: حافظون بالألف في قوله تعالى: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) سورة الحجر: الآية: 9... كل ذلك محسوب بدقة تساهم في بناء صرح القرآن ومعانيه الإنسانية الراقية، والنتيجة لن نرتفع عن أسلوب القرآن؛ ليس لكونه معجزا في كل شيء ومنها النظام المحكم للعدد سبعة الذي يقضي بالقصد في كتابة الحروف المذكورة بالشكل الذي هي عليه لإظهار الترابط المذهل القائم على الرقم سبعة، ولن يكون ذلك من بشر بما في البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا لا جدال فيه لأنه توقيفي عن الله تعالى، بل لكونه في إطار البناء اللفظي أو التركيبي للمعاني والدلالات يبني بأسلوب خاص به، وهو له وحده، يتميز به، ويخفق من يتستر خلفه؛ اللهم إذا كان يقتبس منه، فهذا غير ذاك.
ولا داعي للالتفات إلى الخرافات التي تعشش في أدمغة كثير من الجهلة بشأن القرآن الكريم، فهو عند الله ورسوله والمسلمين بـ: 6263 آية، وعند غيرهم من المعتوهين 17000 آية موجودة في مصحف علي بن أبي طالب المزعوم، فيه مثلا أن سورة البينة " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة" آية:1..." تشتمل على اسم سبعين رجلا من قريش بأنسابهم وآبائهم، وفيه سورة الولاية التي أسقطت تماما. وسورة المائدة بآية: 67 "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ [ يزيدون فيها قولهم: ـ في شأن علي ـ ] وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكفرين "، علما بأن الآية من سورة المائدة، والمائدة نزلت بعد الفتح وقبل حجة الوداع بأربع سنين، وحجة الوداع هي التي يبنى عليها القول بالإمامة لعلي رضي الله عنه، فكيف يثبت ما لم يكن؟ وعليه يرد هذا دراية، ويسقط حجة، ويبطل زعما، فلو أنهم كشفوا ما هو مستحفظ لسهل رده لتفاهته، ولو أننا اختلقتاه للتقريب فقط، لظهر عيبه أيضا، فليس صعبا أن نضيف سبعين اسما مع ذكر أنساب وآباء بلغة سليمة متقنة منظومة على نسق القرآن الكريم تقليدا له، لو فعلنا لظهر العيب في النظم، ولو وضعنا اسم أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيره من المرضيين عند الله وعند رسوله لكنا كذابين نرمي الناس بالبهتان، ولظهر النقص في ربط الآيات بسياقها، ولكشف الكذب عند النظر إلى الإعجاز العددي في القرآن، إذ هناك توافق عددي في العدد سبعة في القرآن الكريم، فالتوافق العجيب والمعجز في عدد السور وعدد الآيات يكشف شيئا واحدا؛ هو عدم قدرة الإنسان على تأليف كلامه بإحاطة تامة بما يناسب التوافق، ولو حرص على ذلك وقضى في إبداعه عقودا فسيخفق في ذلك حتما وسيأتي بنظم يظهر فيه التكلف المعيب، لا يستطيع الإنسان أن يجعل كلامه متوافقا كله لعجزه عن الاستمرار في النظم بنفس الأسلوب وفي نفس السياق بسبب كونه لا يحيط بكل شيء علما، ويكفي ذلك دليلا دامغا على أن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون من تأليف ونظم بشر، فهو المعجز الذي لا تنقضي أسراره، ولا تنقطع طرائفه، أضف إلى ذلك حتمية خلو الألفاظ من المعاني الإنسانية التي لا يمكن أن ينتجها بشر بصرف النظر عن الإشارات القاطعة فيه سواء للكون أو الإنسان أو الحياة...
وإذا نحن سايرنا الجهلة لمناقشتهم في شأن الاستخلاف بالاستشهاد بالآية 67 من سورة المائدة في موضوع تبليغ الرسالة نجد أنه قد ذكر لفظ الرسالة، والرسالة معناها الشريعة الإسلامية، وكلمة الرسالة مع أمر ـ بَلِّغْ ـ لا ترد إلا ويراد بها تبليغ الشريعة ليس غير، انظر إلى قوله تعالى: ((يبلغون رسلت الله)) ((أبلِّغكم رسلت ربي)) ((وأبلغكم ما أرسلت به)) وما أنزل إليك ليس سوى شريعة الله، ولا معنى لها غير هذا بحسب السياق دون تعسف على الألفاظ لإخراجها عن مدلولها إرضاء لخلفية متحكمة، وهوى متأصل، وإذا ما تأملنا قوله تعالى: ((...ما أنزل إليك من ربك...)) نجد بها فعلا ماضيا مبنيا  للمجهول، ومعناه أن ما يريد الله تعالى تبليغه عنه هو ما أُنْزِل، وليس ما نَزَل للتّو حينا وقصدا، وهو يكشف طلب تبليغ شيء نزل قبل نزول الآية، وهذه هي اللغة، وهذا هو الفهم السليم الذي يؤكد تبليغ شيء سبق وأن نزل، وليس شيئا نزل في الآن، أو أمر تعيَّن وهو ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتعيين الذي أنزل يتأتى بحرف [ما] وهو اسم موصول، أو هو نكرة تقصد لذاتها، فيصلح أن يكون دالا على أن أمرا واحدا أو حكما واحدا هو المقصود بالتبليغ، ويصلح أن يكون دالا على أن أمورا كثيرة وأحكاما متعددة هي المقصودة بالتبليغ، فهي إما أن تقول بتبليغ شيء واحد عن الله تعالى، أو تقول  بتبليغ كل شيء عنه، ولا يعين كون المقصود شيئا واحدا أو كل شيء سوى القرينة، وعند التدقيق في قوله تعالى: "فما بلَّغْتَ رسالته" يعين أن [ما] معناها جميع رسالته، أو جميع ما أنزل إليك من ربك، ويستحيل الالتفات إلى غير هذا الفهم، وذلك كأن يقال: أن المقصود ولاية علي، أي حكم واحد، وأمر واحد، فلو أريد ذلك لكان لزاما أن تعاد الصياغة، وتستبدل الكلمات لتؤدي المعنى المراد وهو محال إلا أن يقصد إلى الشرح الباطني، الشرح الذي لا يعكس سوى الخبث والهراء...
وهناك شذوذ عند بعض أهل السنة سرعان ما تفطنوا إلى غلطه بعلم سليم وفهم قيم، فقد ورد في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود في قوله تعالى في سورة النساء، الآية: 89 ((لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون)) يزيدان عليها: متتابعات، وهي من حديث الآحاد، والقرآن جمع بطريق التواتر اللفظي، فكانت الزيادة ليست قرآنا، ولا يمكن أن تكون قرآنا، إنها مجرد قراءة لم تتواتر لتكون قرآنا، ولكن ما سقته هنا أحببت أن أناقشه في عجالة من باب المطلق والمقيد، فالمطلق في القرآن الكريم كالآية التي مرت معنا لا يحمل على المقيد، إذ لو حمل على المقيد لما وردت آية الظهار تتحدث عن أيام يصومها متتابعة، وذلك في قوله تعالى من سورة المجادلة، الآية: 3ـ4((وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)))، فلو كان كذلك لَحُمل الصوم في كفارة اليمين على الصوم في كفارة الظهار، وهذا لم يقل به أحد، وعليه فالاتكال على قول أبي بن كعب وابن مسعود لا يصح مطلقا، لأنه ليس قرآنا، إذ لو كان كذلك لكانت الآية شبيهة بآية الظهار التي تتحدث عن تقييد الصيام بشهرين متتابعين، ولا يعني هذا أن مطلق القرآن لا يُقيَّد، لا، فلم يقل بذلك أحد، وعليه فتقييد المطلق من القرآن يكون بالسنة مثله مثل تخصيص عمومه الذي يكون بالسنة أيضا، ولكن أن يساق خبر آحاد ويعتبر من القرآن ثم يقيِّد مطلق القرآن فهذا ما كان، ولن يكون أبدا، لأن ما ورد ليس قرآنا، وهذا كاف لتركه وعدم الالتفات إليه كما فعل العلماء قديما وحديثا.. ثم إنه من جهة أخرى لا يجوز إقحام كلمة (متتابعات) لأنها تفسد النظم، فالآية وردت مطلقة وهي بذلك سليمة في نظمها، فإذا قُيِّدت بالقرآن في نفس الآية حصلت زيادة في الآية، وتلك الزيادة تستثقل على الأذن العربية في تلاوتها، وبالتالي تجعل من الإضافة شيئا من غير القرآن، بل حتى لو وضعها القرآن لتقييد مطلق الآية لما ساقها بذلك النظم، بل لساقها بنظم آخر يراعي فيه بناء القرآن كله وقانون صياغته، يأخذ بعين الاعتبار حروفه وكلماته...
وقال القمي في تفسيره: "وأما ما هو محرف ـ أي القرآن ـ فمنه قوله: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون" [النساء، آية: 166.]. الكلام المقحم في تفسير القمي: 1/159.].
في سورة النساء آية: 163ـ170، قوله تعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)".
بالنظر إلى صرح القرآن الكريم نجد لبناته حروف وكلمات وجمل وفقرات ونصوص، فالحرف الواحد منه لا يوضع إلا حيث يجب أن يوضع، وهو لا يقل إعجازا في ركابه من الجمل والفقرات والنصوص، في ركابه من الآيات، كما لا يقل إعجازا وهو منفرد قد شكل جسرا بين كلمة وكلمة ينوع فيه المعنى ويعين فيه الحكم، انظر قوله تعالى: في سورة الزمر، الآية: 71: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)). وقوله تعالى في نفس الزمر، الآية: 73، ((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين))، فالواو في الحالة الأولى إذا أضيفت إلى الآية تشعرك أن الله تعالى قد أضاف إلى الكافرين إضافة إلى جهنم؛ عذابا آخر يأتي من الفجأة، أو هو الفجأة عينها، وغيابه يشعرك بالإعداد وعدم الفجأة، وهو ما يتوافق مع فقرات أخرى ونفي الظلم عن الله تعالى، فتكون النتيجة في الحالة الأولى وهي الإعداد دالة على عدل الله تعالى بذلك الإعداد الذي يكون لمن عصاه وجحده وكفر به مع الفجأة ويعلم الله ما فيها ولن يكون إلا ألوانا وألوانا من العذاب، فهو عذاب يأتي بعد إعلام وتبليغ، ويكون حرف الواو في الثانية حرف الفجأة، وهي كثيرة في حق المتقين مما أعد لهم  ربهم في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فالحرف الواحد حين وضع في مكان أعطى معنى، وحين وضع في مكان آخر أعطى معنى مختلفا..
صرح القرآن حروف قد انتظمت مع بعضها في كلمات وجمل وفقرات ونصوص لتعطي نسيجا متفردا يشبه نسيج الكون المحبوك، أو هو آيات بينات قد انتظمت مع بعضها البعض كل لبنة في مكانها الذي يجب أن تكون فيه حتى يظهر الإعجاز المبهر والجمال الأخاذ في كتاب الله عزل وجل، ونحن حين نتفقد حروف بناء الآية 166 من سورة النساء نجد بها 61 حرفا شكلوا كلمات وجملا وفقرتين باعتبار الفقرة جملتين، والجملة كلمتين، والنص فقرتين، أو هي آية واحدة من آيات الكتاب الحكيم، وهذه الحروف حروف جهر تعدادها 30 حرفا، وإصمات بعدد 30 حرفا،  وشدة بـ 15 حرفا، وصفير بحرفين اثنين، وأحد عشر حرفا مكتوبا غير منطوق كألف الوصل والألف المقصورة ووار الجماعة وياء الضمير فكانت النسب المئوية فيها%  18,03 للحروف غير المنطوقة، و 49,18% لحروف الجهر، و49,18% لحروف الإصمات، و%  24,59  لحروف الشدة، و% 3,27 لحروف الصفير، وحرف واحد من حروف الهمس معدله % 1,63.
صحيح أن هناك حروف تعتبر من الجهر والإصمات كحرف الياء مثلا، وحروف تعتبر من الجهر والشدة كحرف الدال، وحروف تعتبر من الجهر والإصمات والصفير كحرف الزاي، غير أنها جميعها قد أحسنت بناء الكلام، ومنعت غيره من الدخول فيه، لأنها منسجمة تماما مع المراد أداؤه بتلك الحروف، فهي في الآية 166 من النساء تنتظم في كلمات تؤدى بها المعاني أداء يقصد به البيان أولا، وتأتي سليمة ورائعة في ركابها اللغوي ليرى بها الإعجاز ثانيا، فإذا أزحتها عن الركاب، وإذا زدت فيها أو أنقصت منها بان الخلل واستعلن الفساد.
الحروف التي شكلت الكلمات والجمل والفقرتين جاءت مجاهرة معلنة نبوة ورسالة محمد ، وهي بجهرها وإعلانها تصوِّت بحرف شديد مع حروف إصمات في قوله تعالى: "يشهد بما أنزل إليك".
الحروف التي شكلت الآية الكريمة حروف بدأت بكلمة مكونة من حرف جهر وانتهت بحرف جهر يتوسطهما حرف شدة، ثم انتقلت إلى كلمة ثانية مكونة من حرف جهر وحرف إصمات، ثم حرف جهر وهو حرف إصمات أيضا، ثم إصمات، فإصمات، فإصمات وهو حرف جهر وشدة، ثم شدة وهو حرف جهر، ثم جهر وهكذا حتى تنتهي الآية الكريمة وقد أدت المعنى المراد الذي لولا هذا النظم لما استقام في ركابه بشكل سليم، ولما ارتفع إلى العلى الذي لا يطال بنظمه ذاك، فالحروف التي شكلت الآية كلها تقريبا حروف جهر وشدة وإصمات، وهي تؤكد صورا لا بد أن تأتي في الآية لتمكُّن الناظم من كل شيء في نظم كلامه وتأليفه وإلا وقعت بين السمو والانخفاض وغابت فيها الإحاطة التامة بما يلزم للمعاني من حروف وكلمات وجمل دون أدنى احتمال لخطأ واحد، فهي حروف تناسب المعنى المراد، إنها حروف متناسقة قد شكلت مركبا جميلا لمعاني أجمل، حتى إن قوله تعالى: "بما أنزل.." فيه اسم موصول يعين شيئا واحدا ليس غير، وهو الكتاب، صحيح أنه يحتمل معنى كليا ولكن السياق يمنعه، والقرائن تعضده، وهذا يمنع دخول حرف أو كلمة بعده حتى ولو كان لفظ الكتاب ذاته، فذكر الكتاب يقوض النظم ويتلف المعنى، فما بالك بكلام ليس من جنس القرآن، ولا يركب سياقه، فإقحام كلمة "في علي" إقحام لكلام لا ركاب له، ولا نظم قد هذّبه، انظر إلى حروف الكلمة، فهي حروف متنافرة لا تصلح في الآية، ومن يقحمها فيها يقع في لغة ضعيفة جدا، صحيح أن بها حرف صفير وحرفا جهر وإصمات، ولكن مجيئهم في الآية لا يمكن أن يستقيم من جهتين، أولاهما جهة البناء المحسوب والإضافة تحدث عيبا شديدا في البناء وخللا فظيعا في الحساب، وثانيهما تقحم الهمس في الجهر والجهر يغطي على الهمس ويمنع بروزه، والهمس يعني الخفاء والستر وجريان النَّفَس عند النطق حتى كأنه يذهب بالشيء ويغيبه علما بأن الآية آية جهر وإظهار لا آية همس وستر، والسياق كله سياق جهر المقصود بع الإعلان واليان، هذا لا يكون، وتقحم أيضا الرخاوة التي تعني اللين وهي ضد الشدة، وجريان الصوت فيها يكون مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج، والآية آية شدة وجهر وإصمات، وهكذا.
ولا يقال أن الآية تضمنت حرف همس في قوله تعالى: "وكفى.."، حرف الفاء، لا يقال ذلك لأن الفاء في الآية حرف معجز به من اللطائف الشيء الكثير، فإن استبدلته بغيره تلف المعنى، خذ قوله تعالى: "وكفى بالله شهيدا" وتساءل كيف يكون الله شهيدا على معتقداتنا ومعاملاتنا وهو عز وجل لا يكلم الناس ولا يوحي إلا لرسله وأنبيائه، والوحي قد انقطع بخاتم النبيين محمد بن عبد الله ، صحيح أن الله على كل شيء شهيد ((وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا)) النساء، الآية: 33، ولكن كيف تظهر شهادته عز وجل في الحياة؟ لا تظهر، وعليه فالشهادة باستعمال حرف الفاء يعين بالضبط أن شهادة الله الآن مستورة، ولكنها يوم القيامة ستكون جهارة، وعليه فحرف الفاء يناسب المعنى تماما، وهو حرف وحيد في الآية قد استعمل في خضم الجهر والشدة والإصمات فلم يؤثر فيه من حيث القصد وهو الإظهار، بل أثر فيه من حيث جعل شهادة الله والملائكة مستورة عن الناس لا تظهر في عقائدهم ومعاملاتهم لأن الذي يجب أن يشهد على كل ذلك هو الإنسان ذاته، ولذلك ساق حرف ستر ووظفه في مجموعة حروف الجهر والشدة والإصمات الشيء الذي كان يجب أن يحدث خللا في النظم وفسادا في التأليف، ولكن العكس هو الذي حصل، انظر إلى الشهادة في المعاملات واقرأ قوله تعالى في سورة الحج، الآية: 78((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)). وقوله في سورة آل عمران الآية: 140 ((إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)).
حرف اللام حرف جهر بدأت به الآية وهو ضدّ الهمس، إنه حرف القوة والتصويت والإعلان،  يظهر الحرف المجهور ويظهر الصوت الذي يجهر به، إنه حرف قوة مانع للنَّفَس أن يجري معه عند النطق به، وذلك دليل قوته إذ يعتمد عليه في موضع خروجه، إنه حرف الصوت القوي الشديد، ولُقِّب بحرف الجهر لذلك، لأن الجهر صوت شديد قوي، وعدده في الآية تسعة حروف وُظِّفت كلها في ثمان كلمات، والآية عددها ثلاث عشرة كلمة، أي وُظِّف حرف الجهر في الآية بنسبة %14,75، وهذه النسبة لافتة تريد تأكيد جهرية الآية في أغلب مكوناتها من الكلمات، واللافت أيضا وضعها حيث هي من الكلمات وفي الكلمات، فقد وضع حرف اللام متصدرا الآية: "لَـكن..."، ثم وضع في الكلمة الموالية مباشرة: الله بعد الحرف الأول، ثم انقطعت اللام في الكلمة الثالثة والرابعة لتعود في الكلمة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة، ثم تنقطع لتأتي كلمتين اثنتين كما في الأولى، ثم تستأنف اللام في الكلمة الثانية عشرة وتنتهي قبل الكلمة الأخيرة مكونة الآية.
توزيع الحروف بهذا الشكل يظهر فيه القصد الحكيم دون تفكير، وهذا ليس من اختصاص البشر، ويظهر التدبير الذي لا يخشى من صاحبه الوقوع في الخطأ النظمي، وهذا يفرغ الآية في قالب متناسق بديع لا يمكن أن يسع غيرها فيه، فالقالب معد لها وحدها لا لغيرها، وإذا حاول أحد إقحام غيرها معها فلا مكان له في القالب المخصص لها.
والمعاني المراد الإجهار بها معاني سامية يتصدرها شهادة الله عز وجل في حق محمد من حيث تنزيل القرآن الذي نزل بعلمه سبحانه وتعالى، وهي ـ أي شهادة الله ـ كافية لا تحتاج إلى من يعضدها، ومع ذلك وإكراما لحبيبه، وإكراما لملائكته جعل لهم نصيبا من الشهادة، ولم لا ومنهم المؤتمنون على الناس يحصون عليهم أفعالهم ويسجلونها ليوم الحساب. وإذا انتقلنا إلى الحرف الثاني نجده حرف شدة، وهو الكاف في قوله تعالى: "لـ كِـ ن.."، وحرف الشدة (حروف الشدة هي: أ ج د ق ط ب ك ت) حرف يمنع جريان أي صوت آخر معه عند اللفظ به، إنه حرف انفجاري كما يسمونه، وهذا دليل قوته لاشتداد لزومه في المكان المخصص له بحيث لا يستبدل بغيره، كما إنه حرف إصمات وهو ضد الإذلاق، إنه حرف منع، ويصطلحون عليه بأنه: ((امتناع انفراد حروفه أصولاً في الكلمة الرباعية أو الخماسية لثقل النطق بها، والإصمات من صفات قوّة الحرف)) الإعجاز البياني في الصوت القرآني إعداد د: نجيب علي عبد الله السودي أستاذ اللغويات المساعد جامعة تعز – اليمن، من بحث قدم إلى مؤتمر كلية الشريعة السابع المنعقد بجامعة الزرقاء الأهلية – الأردن  في الفترة 23-25 / آب 2005م.
وحروفه ـ أي حروف الإصمات هي: الهمزة، التاء، الثاء، الجيم، الحاء، الخاء، الدال، الذال، الزاي، السين، الشين، الصاد، الضاد، الطاء، الظاء، العين، الغين، القاف، الكاف، الهاء، الواو، الياء.
وعدده في الآية؛ أربعة، وقد وظف بنسبة% 6,55، واللافت فيه أنه حرف يشد عضد حرف الجهر والشدة.
والحرف الثالث حرف النون وهو حرف جهر ورد بنسبة% 6,55، وقد تم الحديث عنه عند الحديث عن حرف الكاف.
والحرف الرابع حرف إصمات وهو الهاء، وقد ورد بنسبة% 11,47، وقد تم الحديث عنه.
والحرف الخامس حرف الياء وقد ورد بنسبة% 4,9 ، والياء من حروف الجهر والإصمات وقد تم الحديث عنهما.
والحرف السادس حرف الشين وهو حرف إصمات ورد بنسبة % 4,9 والإصمات قد تم الحديث عنه.
والحرف السابع حرف الدال وهو حرف شدة وجهر وإصمات ورد بنسبة % 4,9، وقد تم الحديث عن صفاته كلها.
والحرف الثامن حرف الباء، وهو حرف شدة وجهر ورد بنسبة %4,9 وقد سبق الحديث عن صفاته.
والحرف التاسع حرف الميم وهو حرف جهر ورد بنسبة % 4,9 وقد سبق الحديث عنه.
والحرف العاشر حرف الهمزة وهو حرف شدة وإصمات قد ورد بنسبة % 6,55، وقد سبق الكلام عن صفاته.
والحرف الحادي عشر حرف الزاي وهو حرف جهر وإصمات وصفير قد ورد بنسبة % 3,27، وقد تم الحديث عن صفة الجهر والإصمات أما صفة الصفير فهي صفة تجعل الحرف يخرج مصوتا من الشفتين كصوت الطير المغردة.
والحرف الثاني عشر حرف العين وهو حرف جهر وإصمات ورد بنسبة % 1,63، وقد سبق الحديث عن صفتيه.
والحرف الثالث عشر حرف حرف الواو وهو حرف جهر وإصمات ورد بنسبة %3,27 وقد سبق الكلام عن صفتيه.
والحرف الرابع عشر وهو حرف التاء حرف شدة وإصمات فقد ورد بنسبة %1,63 وقد تم الحديث عن صفتيه.
والحرف الأخير حرف الفاء وهو حرف همس وستر ورد بنسبة % 1,63 وهو وحيد في الآية من حيث مخالفته التامة لجميع صفات الحروف.
وإذا ضممنا هذه الحروف إلى بعضها البعض بحسب صفاتها كانت حروف الجهر كما سبق معنا بعدد 30 حرفا، والإصمات بعدد 30 حرفا، والشدة بـ 15 حرفا، والصفير بحرفين اثنين، وأحد عشر حرفا مكتوبا غير منطوق كألف الوصل والألف المقصورة ووار الجماعة وياء الضمير فكانت النسب المئوية فيها% 18,03 للحروف غير المنطوقة، و 49,18% لحروف الجهر، و 49,18% لحروف الإصمات، و24,59%  لحروف الشدة، و% 3,27 لحروف الصفير، وحرف واحد من حروف الهمس معدله %1,63.
والنتيجة أن الحروف كلها تقريبا حروف شدة وجهر وإصمات وصفير، وجميعها تناسب المعاني في الآية، فالآية تريد لفت النظر إلى وحي الله تعالى، إلى كتابه المنزل على رسوله ولا تتعدى ذلك إلى غيره إلا ما كان من الوحي لأنبيائه قبل محمد ، فكانت غاية في الإحكام، وآية في النظم والتأليف، ولكن يلاحظ ورود حرف همس وهو ضد الجهر، إنه حرف إخفاء وهو ضد الإظهار، هذا الورود للحرف لافت، ليس لأنه لا يؤثر على الآية من حيث طغيان حروف الجهر والشدة والإصمات فيها وهو معقول ومقبول، لا، ليس هو من هذا القبيل، فحرف الهمس والإخفاء حرف بليغ في الآية، لأن الآية تتحدث عن شهادة الله تعالى وشهادة الملائكة، ولكن شهادتهما في الدنيا شهادة لا تناسب حياة البشر، فالله تعالى لا يخاطب الناس كل على حدة حتى يوصل إليهم شهادته في حق رسوله وكتابه، فذلك عمل العقل من حيث الإيمان العقلي بذلك، والعقل مناط التكليف، وهو موجود لدى كل البشر باستثناء القاصرين والمجانين، ومع ذلك لم يترك الله تعالى الناس على حالهم منذ خلق أباهم آدم، بل أرسل الرسل تلو الرسل رحمة بهم، ولكنه ختم رسالاته بمحمد بن عبد الله ، فكانت شهادته وشهادة الملائكة شهادة أخروية قد وردت مقتصرة في كلمة بها حرف الفاء وهو حرف إخفاء وستر للشهادة يوفرها ليوم القيامة، ويوم القيامة آت لا محالة، وفيه لن يتحدث أحد ولن يتكلم إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا قال تعالى: في سورة النبأ، الآية: 37ـ40 ((رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40))).
كان حرف الفاء رائعا في الآية، ولافتا جدا، خصوصا إذا أخذنا استقلاله كلمة فيها ألف مقصورة غير منطوقة وهي تزيد من الإخفاء، ولكنها ـ أي الكلمة "كفى" ـ تبرز حرفا آخر في بدايتها وهو حرف الكاف، وقد علمنا أنه حرف شدة وإصمات، فكان حرف الفاء حرف تتم الإشارة إليه بحرف الكاف وتقرع الآذان للتنبيه إليه، والحذر من تكذيب الرسول محمد والجحود بكتابه الذي أنزله عليه.
حرف الفاء في الآية حرف رخاوة، والرخاوة لين ضد الشدة، وهي، في الاصطلاح جريان الصوت مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج، وورود حرف الرخاوة في الآية يجعله ضلعا للمركب اللغوي يقل المعاني ويعين سلاسة الجريان في بحر الإعجاز اللغوي إلى الشاطئ حتى ليكاد يفصح قولا أن الجريان بالحياة يتقدم إلى غايته ومحطته التي يجري مواز لها الكون والإنسان والطبيعة.. يجري الجميع إلى يوم القيامة، وهو يوم المشهد العظيم الذي فيه تنقطع كل الشهادات في حق محمد رسول الله وكتابه الذي أوحي إليه وهو كلام الله عز وجل.
وهو أيضا ـ أي حرف الفاء ـ حرف انفتاح، والانفتاح ضد الإطباق، وهو في اللغة الافتراق، وفي الاصطلاح افتراق المخرج عما يحاذيه من الفك، وحروفه أربعة وعشرون حرفا هي: " ا، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، هـ، و، ي" وجميع حروف الآية؛ منها، باستثناء الهمزة، والحرف هنا يريد أن يعلن أن يوم الشهادة الحق الذي هو يوم القيامة؛ هو يوم الفرقان، فيه يفرق الله تعالى بين الحق والباطل فيشهد بالحق لهذا وبالباطل لذاك، وهي الشهادة التي ليس فوقها شهادة، ثم تقرير مصير العباد إلى الجنة وإلى النار.
وهو باعتباره حرف إذلاق ضد الإصمات، وكونه يعني ((سرعة النطق بالحرف بالاعتماد على ذلق اللسان، وحروفه مجموعة في "فرّ من لب")). المصدر السابق، فإنه من جهة أخرى يعني سرعة التعجيل بالإيمان بمحمد بن عبد الله رسولا من قبل الله للعالمين، والإيمان بالكتاب الذي أنزله الله تعالى عليه قبل أن تحضر شهادة الله المخفية الآن في يوم القيامة والتي لا تنقض ولا تراجع.
كما أنه حرف استفال الذي هو ضد الاستعلاء، وفي الاصطلاح: ((انخفاض اللسان عن خروج اللسان من الحنك إلى قاع الفم)) المصدر السابق. ومعناه من جهة أخرى هجران الجحود وحمل النفس على الإيمان بما أنزل الله تعالى على نبيه محمد ، هجران للاستعلاء والتكبر قبل أن يأتي يوم الشهادة الأعظم ولن تكون إلا لله عز وجل ولمن أذن له أن يشهد كما في الآية عن شهادة الجلود والأيدي والأرجل يوم القيامة ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) يس، الآية: 65.   
إنه عند قراءتنا للآية 166 من سورة النساء مع ما أقحم فيها نحس بخلل في النظم وانقطاع في السبك وتمزق في الحبك وتشتت في المعنى، وكل ذلك يتنافى مع طبيعة القرآن النظمية وطرائقه التأليفية، فإقحام جملة ـ في علي ـ أحدث فسادا في النظم على مستوين اثنين، فسادا في التركيب وفسادا في المعنى، فالله تعالى يتحدث عن الأنبياء أصحاب الرسالات فما بالك بمن هم دونهم كعلي رضي الله أو غيره، يتحدث  عن الوحي ولا يتحدث عن غيره، يتحدث عن الشريعة ولا يتحدث عن غيرها، يتحدث عن الشهادة في حق نبوة محمد ورسالته ولا يتحدث عن غيرها، يتحدث عن الصدود والضلال والظلم في حق الذين لم يؤمنوا برسله وشرائعه ولا يتحدث عن غير ذلك، يتحدث عن إضلالهم بسبب كفرهم برسله ولا يتحدث عن غيرهم، يتحدث عن استحقاقهم جهنم والخلود فيها ويعنيهم، يتحدث عن مجيء الرسول محمد بالحق وطلب الإيمان به ولا يتحدث عن غيرها.
إن إقحام جملة ـ في علي ـ بها تكلف مكشوف يعاب على صاحبه إقحامه في مثل النص المذكور لغياب التناسق بينهما، وظهور التفاوت فيهما، هذا من حيث البناء اللفظي، أما البناء المعنوي فإن به عيبا أكبر، ذلك أن صاحب هذا الإقحام ضعيف لغة، كما أنه عديم الملاحظة للخلل الذي أحدثه في التركيب القرآني.
إن ضعفه ضعفين، ضعف مؤلف غير ناضج، وضعف عربي لا يحسن النظم والتأليف، ولا يمتلك قوة الملاحظة لرؤية صور البناء وهي على غير هيئتها التي كان يجب أن تكون عليها، ولا يملك الأذن المرهفة التي تنتشي للتصويت الذي تحدثه الحروف في كلماتها وجملها وفقراتها ونصوصها، فالأذن المرهفة لا تقبل بمثل هذا الإقحام، واللسان العربي لا يبني مثل هذا الكلام في كلام أرقى عنه بكثير، ولو كان له حقا ـ أي لو كان القول من جنس القرآن ـ لكانت الجملة،  أي جملة ـ في علي ـ تناسب رقيه، تناسب سياقه، وتناسب أداءه المعاني الواردة قبلها وبعدها، فـ ـ في علي ـ تقطع الصلة بين الآيات، وتخرب السياق، وتدخل فيها ما ليس منها، إذ لو كان ذلك منها لما حصل نفور وشرخ.. إن الإنزال في هذا المقام ـ أي قوله تعالى: " لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ" لا يمكن أن يكون حكما مفصلا، بل يكون حكما مجملا، نعم يكون كذلك لأن السياق يقتضيه وهو نزول الإسلام، نزول القرآن، نزول الوحي، أما نزول حكم واحد في شأن علي في موضوع الإمامة فيجعل الإمامة كحكم واحد مما أنزل من الأحكام كلها، ولكنه يجعل السياق الذي تدل عليه قرائنه لا يجري بحكم إنزال القرآن كله، بل يجري بحكم واحد من أحكامه هذا إذا سلمنا أن هناك حكم في حق علي يتعلق بالولاية وهو غير موجود قطعا، وإن وجد كما يزعم بعض غير الجادين في المعرفة، فهو غير مؤيد بالأدلة القطعية، انظر قوله تعالى: ((لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا" النساء، الآية: (166)) هذه الآية تتحدث عن شيء واحد غير مجمل، أي تتحدث عن شيء مبين، تتحدث عن أمر لا يفهم منه عند الإطلاق شيئين اثنين أو أكثر وهو المجمل عينه، إنها في معرض الإخبار وهو إما أن يكون عقيدة أولا يكون، وهو هنا عقيدة لثبوته القطعي، إذ لو كانت تتحدث عن غيره لتغير السياق، لأن ما قبلها يتحدث عن رسل الله ويخصص الوحي لهم والرسالة والدين والكتب السماوية، ولا يمكن أن يفرد بها شيء آخر غير ما ذكر، إذ لو عُيِّن لخرج عن السياق، فكانت الآية تتحدث عن الوحي والكتب والرسل، تتحدث عما هو أعظم من علي ألا وهو الرسول محمد .
ويعين ما ذهبنا إليه لفظ"أنزل"، فباستعراض كثير من آيات القرآن الكريم يتضح أن لفظ "أنزل" ولو تعددت مدلولاته في سياقات مختلفة كدلالته على الماء المنزل من السماء في قوله تعالى في سورة البقرة، الآية: 22 ((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ))،ودلالته على الأمَنَة في قوله تعالى في سورة البقرة، الآية: 154 ((ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)). ودلالته على السكينة والملائكة في قوله تعالى في سورة التوبة: الآية: 26 ((ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)). أقول ولو تعددت دلالات لفظ "أنزل" فإن السياق يحكم لها أو عليها، فقوله تعالى: ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ...)) إلى قوله: ((لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) فلفظ "أنزل" هنا لا معنى له غير الكتاب، ويؤكده ضمير لفظ "أنزله" أي الكتاب، ويزيده تأكيدا الرجوع إلى آيات أخرى تمنع عنه الدخول في المجمل حتى لا يكون له معنى آخر ليدخل فيه "آل محمد" أو "في علي" وذلك قوله تعالى في سورة آل عمران، الآية: 7 ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)). وقوله تعالى في سورة النساء، الآية: 113 ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)). وقوله تعالى في سورة الأنعام، الآية: 114  ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ))، ولا يقال بأنه قد وردت آيات تتحدث عن الأحكام فكان علي أو آل محمد معنيين فيها، لا يقال ذلك لغرابتها عن جسم القرآن الذي يلفظها، فهي وإن كان آيات أحكام فهي آيات في سياقها الذي وضعت فيه يستحيل الإخلال بها كما استحال الإخلال بالتي أوردناها، فقول تعالى في سورة المائدة، الآية: 47ـ49 ((وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49))). هذه الآيات آيات أحكام، والقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى يشتمل عليها ويشتمل على العقائد والعبادات.. فكان قوله تعالى: ((أنزل إليك..)) يعني جميع الكتاب، والبحث عن أحكامه بما فيها حكم آل محمد في الولاية وورود ذلك في الكتاب يبحث فيه في غير هذه الآيات، والنتيجة لا وجود لذلك مطلقا، وإذا تم إقحامه عن قصد بغية تثبيته؛ فالقرآن بطبيعة بنائه وقانون ترتيب آياته وانتظام مواضيعه يلفظ كل ما ليس منه، وما ذكر يستحيل أن يكون منه، فوجب التخلي عن الخبث المكشوف، واللؤم المفضوح..
إن فعل ذلك الإقحام فعل المتلصص الذي يستغفل الناس، أو هو فعل الطير المخادعة التي تفتقد للأمومة، إذ تحتال على طير أخرى فتضع في عشها بعد استغفالها بيضة لها مع بيضها وتظل تراقبها، فإذا آن أوان الفقس فقس البيض عن أفراخ صغيرة وفقست بيضة المخادعة عن فرخ كبير لا يشبه أفراخ الأم الحاضنة ويكون بيضها في حدود الخمسة، فإذا بدأ العش يضيق شرع الفرخ الكبير يدفع بالأفراخ الصغيرة عنه وهي ليست من جنسه فيسقطها من العش فرخا فرخا فيستأثر بالعش وحده وبالطعام، فإذا ظهر ريشه وطار من العش ونزل أغصانا تظل الحاضنة غير الأم الحقيقية تقدم له الطعام رغم الفرق الظاهر بينهما في الحجم والنوع، لا تفطن الأم الحقيقية لخداع طير الوقواق فتظل ترعى فرخ غيرها حتى يستقل وتظل الأم المخادعة بلا أمومة لا تحضن بيضتها ولا تطعم فرخها. هذا مثال المخادع الدساس الذي لا يفطن له الناس عند استغفاله لهم، وكيف يفطن الخاوي من المعرفة للمراوغ الدساس..
وفي نفس المصدر قوله: "إن الذين كفروا وظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم" النساء، آية: 168، وقوله: "وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم في غمرات الموت)  أي منقلب ينقلبون".  بصرف النظر عن الخلط الغبي بين آية 227 من سورة الشعراء وهي في هذا السياق الرائع: "وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227))). وآية 93 من سورة الأنعامً وهي: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)).
نلاحظ الشرخ الكبير بين القرآن الكريم وبين تلك الكلمات المقحمة فيه.
إن الإقحام للكلمات المذكورة في القرآن يشبه صب الماء في قعب صدئ بغية ملئه وهو دون قاع، كأنه كلام أعجمي يراد له الاختباء في الكلام العربي. إن قوله تعالى: "إن الذين كفروا وظلموا" يقضي بوجود كفار تقدموا بكفرهم، وظلاّم تقدموا بظلمهم، كما يقضي من جهة أخرى عند إضافة (آل محمد حقهم) تعيين متأخر وترك متقدم، لنرى.
فالحديث المتقدم يربط المتأخر بسياقه فيؤكد دون تعسف؛ ربطه بغيره مما تقدم، فيكون الكلام الذي جاء بعده وهو: (آل محمد حقهم)  زائد من غير صاحب القرآن ـ أي لم يضعه الله تعالى ـ لأنه ليس منه حتما ولا يمكن أن يكون منه، وذلك لأن المتعين بالكفر برسالة محمد قد بان، والمتعين بالظلم لنبوة محمد وهو نفس محمد صلى الله عليه وسلم قد بان أيضا في قوله تعالى: ((إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده..)) وهذه الآية تعين بالضبط ما سيكون بين قوله تعالى: (كفروا وظلموا) وقوله: (لم يكن الله ليغفر لهم) فتقرر على ضوء ذلك فراغ مملوء بضمير سيفسد النظم إذا هو ذكر ملفوظا مرة أخرى سواء بالخطاب كأن يقول: كفروا بك وظلموك أو كفروا برسالتك وظلموك، أو يقول: كفروا وظلموا محمدا، كل ذلك يفسد النظم فيخرج عن السياق، وأما إذا أقحمنا فيه قولهم: آل محمد حقهم، تعين أولا إزالة لفظ حقهم لثقله على تناسب المعاني وتناسب الألفاظ في موضوع محدد، وثانيا إزالة جملة آل محمد لوجوب أن يكون الحديث عنها بضمير، وثالثا يجعل المتحدَّثَ عنهم مثل من تم الحديث عنهم ممن سبقوهم وهو محال، أي يجعل عليا نبيا أو رسولا طبقا لوحدة السياق وسلاسته، كما يجعل لآل علي نصيبا من ذلك وهو محال أيضا.. والنتيجة أن ما ذكر من إضافات زيدت في القرآن الكريم محض هراء يستحيل أن تكون من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
وأما قوله تعالى: "وسيعلم الذين ظلموا" (آل محمد حقهم "في غمرات الموت"  "أي منقلب ينقلبون".
لو اكتفى بقوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ سورة الشعراء، (93) ولو اكتفى بقوله تعالى: ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227")). فسيدخل فيها كل ظالم لنفسه وللناس، كل ظالم من الشعراء ومن غير الشعراء، وسيدخل فيها جميع أنواع الظلم من الشعراء ومن غير الشعراء، فإن كان حقا من الحقوق لآل علي دخل فيه، وإن كان حقا لغيره دخل فيه أيضا، أما ذكر آل محمد حقهم فواضح منه التباين والتنافر والتكلف والإقحام، كما يستبان منه توظيف لكلمات لا تستجيب لتقنية الحبك القرآني، ليست هي على غرار قول النضر بن الحارث وهو من المضحكات كما أوردها القرطبي عن عكرمة في تفسيره : (7/41) وهو يعارض القرآن فقال: والطاحنات طحنا. والعاجنات عجنا. فالخابزات خبزا. فاللاقمات لقما." بل هي من نوع آخر يكشف عن محاولات غبية لإيجاد دليل من القرآن على إمامة آل محمد من علي رضي الله وذريته..
ما من كتاب في الأرض إلا ويزاد فيه وينقص منه إلا القرآن الكريم، والزيادة والنقصان في غير القرآن ليس معناه الحذف منه والزيادة فيه، بل معناه وجود قابلية حصول ذلك فيه إلا القرآن، فلو أخذت كتابا صحيحا في تركيبه اللغوي، سليما في تأليفه، جيدا في نظمه، موضوعيا في ترتيب مواده، مضبوطا في شرح معانيه، واضحا في بيانه، ميسورا في بروز أفكاره، وسهلا في ظهور مفاهيمه فلا بد أن تجد فيه في مكان ما أو موضع ما من جمله وفقراته ونصوصه أنك تستطيع الزيادة فيه والإنقاص منه دون أن تصيب بذلك شيئا من سلامته في تراكيبه، فلو غيرت فيه أو زدت فيه مراعاة لمعانيه فإنك تخرج لنا تراكيب جديدة بنفس حمولة التراكيب التي أزحتها وذلك مقصودا منك لرؤية الكتاب في تراكيبه ونظمه وتأليفه أنه بقابلية الزيادة فيه والإنقاص منه مع الحفاظ على المعاني، ولكن حروف القرآن وكلماته وجمله وفقراته ونصوصه أو آياته بغير قابلية ذلك، فإنك إن زدت في القرآن حرفا واحدا أو كلمة واحدة فضلا عن فقرة أو نص فإنك ستصطدم باستحالة أن تفعل معه مثلما فعلت مع غيره من الكتب، لا تستطيع الإنقاص منه والزيادة فيه إلا على حساب تخريب نظمه وإتلاف معانيه، لن تبقي على المعاني سليمة كما فعلت مع غيره من الكتب، وهذا كاف لإدراك عظمة هذا الكتاب واستشعار اليد الكريمة التي نظمته وألفته وأنه معجزة..









 

 التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع


  المشاركة السابقة : المشاركة التالية

إضافة تعليق سريع
كاتب المشاركة :
الموضوع :
النص : *
 
TO  cool  dry 
عربي  mad  ohmy 
huh  sad  smile 
wub 

طول النص يجب ان يكون
أقل من : 30000 حرف
إختبار الطول
تبقى لك :



 

   ابحث في الموقع


 

   اصدارات الجيرة


 

   مرئيات

أيهم أولى بالتعديل مدونة الأسرة؟ أم مدونة المجتمع؟ أم مدونة الدولة؟
الزيغ والخطأ عند القرآني سامر إسلامبولي ينكر التراث ويتبنى منه ما تعلق بشرح آية: "ومايعلم تأويله إل
القرآني احمد عبده ماهر يكذب على ابن عباس فينسب إليه شرح "غاسق إذا وقب" بمعنى الذكر إذا انتصب

 

   تسجيل الدخول


المستخدم
كلمة المرور

إرسال البيانات؟
تفعيل الاشتراك

 
 

الأولى . أخبار متنوعة . قسم خاص بالأدب المَمْدَري . القسم الإسباني . الكتابات الاستشرافية في السياسة والفكر والأدب . ثقافة وفنون
كتب وإصدارات . تحاليل سياسية . تعاليق سياسية . بريد القراء . سجل الزوار . من نحن . اتصل بنا

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الموقع، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الموقع أي تبعة قانونية أو أخلاقية جرّاء نشرها.

جميع الحقوق محفوظة © 2009 - 2010 طنجة الجزيرة

تصميم وتطوير شبكة طنجة

ArAb PoRtAl