الرئيسية » أخبار وطنية ودولية



هل المغرب دولة إسلامية أم دولة ليبرالية علمانية؟

(على ضوء مذكرة وزارة التربية الوطنية المغربية)

 

 على ضوء المذكرة الوزارية الصادرة بتاريخ 15 شتنبر 2021 تحت رقم 080X21  على

البوابة الرسمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي http://www.men.gov.ma انتشر الجدال حول إلغاء مادة التربية الوطنية بالمؤسسات التعليمية بالمغرب، ثم نفت الوزارة ما أشيع عن الإلغاء ومع ذلك لا يزال النقاش والجدال قائما.

وقبل الدخول في الموضوع لا بأس من التفريق بين الإسلام والليبرالية والعلمانية، أفرق بينهم ليس لأني أريد التفريق، بل لأنهم لا يجتمعون أبدا، فالليبرالية وإن اجتمعت بالعلمانية إلا أنها لا تجتمع بالإسلام مطلقا ذلك أن الليبرالية تبيح التملك بالكيفية التي يختارها المالك وتبيح النوعية التي يختارها المالك أيضا، بينما في الإسلام لا يُحدِّد الإنسان كيفيَّة التملُّك ولا نوعيَّة التملُّك فهما مُحدَّدان ومُعيَّنان من طرف الإسلام، فالليبرالية مثلا تسمح بالتملُّك عن طريق القمار والربا والمخدرات وغير ذلك بينما الإسلام يمنع ذلك ويحاربه أشد المحاربة، والليبرالية لا تقيِّد المالك بالكيفية التي من خلالها يملك، بينما الإسلام لا يسمح له بالتملُّك كيفما يشاء، ولا يسمح له بتملُّك ما يشاء، فالطرق المحرمة لا يملك بواسطتها كالغش والتدليس والكذب والاحتكار وغير ذلك، ونوعية ما يملك لا يسمح بها لأنه يمنع كل ما حرمه الإسلام أن يكون سببا للتملك كالخمور والضرائب العشوائية والمقابل المالي على الصحة والتعليم وغير ذلك.

وأما العلمانية فلا معنى لها سوى فصل الدين عن الحياة، وبالتالي عن الدولة والمجتمع ولا علاقة لها بالعلمية كما يحلوا لبعض المغرضين والمدلسين تصوريها، فهي نتاج صراع رجال العلم والفكر مع رجال الدين بأوروبا، انتشر الصراع بينهم إلى أن تُوِّج بالثورة الفرنسية لتنتشر مبادئها في العالم الأوروبي أولا، ثم انتقلت إلى بلادنا وفرضت علينا بواسطة الاستعمار التقليدي، ثم الاستعمار الحديث، هذه العلمانية تفصل الدين عن الحياة وعن الدولة وعن المجتمع، وهذا من حقهم لأنهم عانوا من رجال الدين الذين لم يكن لهم شرع من الله، بينما في الإسلام لا يوجد فصل بين الإسلام والحياة والدولة والمجتمع مطلقا، فالمسلم الحاكم مقيد بشرع الله في حياته الفردية والجماعية وفي علاقته بمن يحكمهم، والمسلم المحكوم مقيد بشرع الله في حياته الفردية والجماعية، المسلم مُقَيَّدٌ في تصرفه لا يفعل ما يشاء كيفما يشاء، ولا يملك ما يشاء كيفما يشاء، بل يفعل وهو مقيد بأمر الله ونهيه، ويملك بإذن الله ما أباحه الله وأحلّه، لا يملك ما حرّمه الله ومنع ملكيته.. هذه صورة مقتضبة عن الفرق بين الإسلام وبين الليبرالية والعلمانية.

إن إلغاء مادة التربية الوطنية من المؤسسات التعليمية في المغرب أو الإبقاء عليها لا يعني أن الدولة المغربية تنتقل من حال إلى حال كما يتصور الغارق في السطحية زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار رئيس الحكومة القادمة؛ عزيز أخنوش، لا يعني إلغاء مادة التربية الوطنية أن الدولة المغربية تنتقل من تسويد الإسلام إلى تسويد العلمانية والليبرالية، فهذا الطرح لا يناقش لأن المغرب لم يكن دولة إسلامية في يوم من الأيام حتى يتحول إلى الليبرالية والعلمانية، وحديث مصطفى بنعلي الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية من أن المغرب انتقل من مشروع الدولة الإسلامية إلى مشروع الدولة الليبرالية حديث دال على سفاهة سياسية ولا غرابة، فجميع الأحزاب الوطنية المغربية قمامة يجب كنسها، ولولا الدعم المادي لها من المال العام للشعب المغربي من طرف الدولة المغربية لما بقي منها حزب واحد.

دولة المغرب منذ ما يسمى بالاستقلال المنقوص وأنا أطلق عليه الاستقلال المزيف وإلى يومنا هذا وهي دولة غير إسلامية، وما في دستورها من أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وما إلى ذلك مما يوحي أن هناك إسلاما سائدا كل ذلك مغالطات وتدليس، فالمغرب دولة علمانية ليبرالية لم تسوِّد شرع الله حتى تنعت بأنها دولة إسلامية، ولم تتبنَّ الإسلام حتى تُظْهِر حضارته في العلاقات العامة بين الناس، ولم تطبِّق أنظمته في الحكم والاقتصاد والتعليم والقضاء والتعليم والاجتماع وغير ذلك، صحيح أن المغاربة كلهم تقريبا مسلمون ولكنهم لا يحيون حياة إسلامية خارج فرديتهم، وبذلك تكون الدولة المغربية دولة غير إسلامية منذ نشأتها، وأعني الدولة التي ما تزال مقيدة باتفاقية إكس ليبان التي منعتها من التحرر الحقيقي والاستقلال الحقيقي.

ولكي تعرف أن دولة ما دولة إسلامية أو رأسمالية أو اشتراكية انظر إلى لفظ الدولة أولا، ثم انظر إلى فرض الإسلام أو الاشتراكية أو الرأسمالية وتحكيمه من طرف الحاكم، وفصل الخصومات بين الناس به من طرف القاضي.

فبالنسبة للدولة لغة فهي آتية من التداول على غرار قوله تعالى: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) سورة الحشر، أي كي لا يتداول المال الأغنياء ويستأثرون به ويحرم منه الفقراء، ثم يَثْرو من يثرو من مصدر ليس من حقه أن يحقق الثروة بواسطته لأنه مال ليس له، ولا يحق صرفه عليه ولا على أمثاله، بل يجب أن يصرف المال المعني بالصرف في الأوجه التي حددها المبدأ الاشتراكي أو المبدأ الرأسمالي أو المبدأ الإسلامي وهنا صرف الأموال بالشرع الإسلامي وليس بالشرع الرأسمالي أو الاشتراكي.

وفرض الحاكم للإسلام وتحكيمه في العلاقات العامة في المجتمع في الحكم والاقتصاد والتعليم والقضاء والاجتماع والداخلية والخارجية والتعليم وغير ذلك مع منع التملك إلا لما هو مما يُمَلَّك شرعا هو الذي يبرز صورة الدولة الإسلامية على حقيقتها، فإن ظهرت سيادة الإسلام في العلاقات العامة، وسُوِّدت أنظمته في المجتمع، وبرز تحكيمه في الناس مع وجود القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس بشريعة الإسلام كانت الدولة؛ دولة إسلامية، وإن لم يكن كذلك كانت الدولة؛ غير إسلامية، أي كانت رأسمالية أو اشتراكية لأنهما المبدئان اللذان يوجدان اليوم إلى جانب المبدأ الإسلامي في الدنيا كلها، فلا يُلْتفت إذن لما يقال بشأنها أنها دولة إسلامية، أو أن الناس مسلمون لأن ذلك مغالطات وتدليس، فالدولة بهذه المواصفات ليست إسلامية والناس فيها مسلمون ولا نستطيع القول إلا أنهم مسلمون ولكن يجب التفريق بين الناس وبين الأنظمة والتشريع والحكم والقضاء، فالفرد المسلم يستطيع الالتزام بالإسلام وتطبيقه على نفسه وربما على أهله وذويه، ولكن في إطار الفردانية، أما أن ينتقل الإسلام إلى الجماعة والمجتمع والدولة فذلك ليس في مقدوره إلا إذا انخرط في كتلة تعمل لهدفه، فيكون الإسلام من هذا المنظور محصورا في الفرد لا يتعداه إلى المجتمع والدولة، وانظر إلى خروج الفرد من الفردانية الإسلامية ليعيش حياة إسلامية في جماعته ومجتمعه هل يجدها؟ لن يجدها لأن الحاكم يطبق غير الإسلام ويسوِّد غير الإسلام ويستظل بغير حضارة الإسلام، والقاضي يفصل الخصومات بين الناس بغير الإسلام، فالفرد هنا كالسن في الدولاب يدور معه حيثما دار، ولكي ينفلت من الدولاب عليه أن ينتقل إلى العمل الجماعي وإنهاء الفردانية في سلوكه وتفكيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد محمد البقاش

طنجة بتاريخ: 17 شتنبر سنة: 2021م

 

 

 التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع


  المشاركة السابقة : المشاركة التالية

إضافة تعليق سريع
كاتب المشاركة :
الموضوع :
النص : *
 
TO  cool  dry 
عربي  mad  ohmy 
huh  sad  smile 
wub 

طول النص يجب ان يكون
أقل من : 30000 حرف
إختبار الطول
تبقى لك :



 

   ابحث في الموقع


 

   اصدارات الجيرة


 

   مرئيات

أيهم أولى بالتعديل مدونة الأسرة؟ أم مدونة المجتمع؟ أم مدونة الدولة؟
الزيغ والخطأ عند القرآني سامر إسلامبولي ينكر التراث ويتبنى منه ما تعلق بشرح آية: "ومايعلم تأويله إل
القرآني احمد عبده ماهر يكذب على ابن عباس فينسب إليه شرح "غاسق إذا وقب" بمعنى الذكر إذا انتصب

 

   تسجيل الدخول


المستخدم
كلمة المرور

إرسال البيانات؟
تفعيل الاشتراك

 
 

الأولى . أخبار متنوعة . قسم خاص بالأدب المَمْدَري . القسم الإسباني . الكتابات الاستشرافية في السياسة والفكر والأدب . ثقافة وفنون
كتب وإصدارات . تحاليل سياسية . تعاليق سياسية . بريد القراء . سجل الزوار . من نحن . اتصل بنا

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الموقع، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الموقع أي تبعة قانونية أو أخلاقية جرّاء نشرها.

جميع الحقوق محفوظة © 2009 - 2010 طنجة الجزيرة

تصميم وتطوير شبكة طنجة

ArAb PoRtAl